ميتروفيتش.. نجا من “السرطان” وهرب من الجريمة إلى ارضية الملعب
قبالة نهر الدانوب، توجد قرية راديناك التي تقع جنوب سميديريفو، على بعد 60 كيلومترا شرق العاصمة الصربية بلغراد، رأى ألكسندر ميتروفيتش النور، فى القرية التي اشتهرت قبل عامين بعدما تضاعفت معدلات الإصابة بالسرطان 4 مرات فى أقل من 10 سنـوات، بسـبـب مصنع صيني للصلب.
غالبا ما يكون اللون الرمادي هو الغالب فى المنطقة، بسـبـب مزيج السحب المنخفضة والضباب الكثيف الذي يرتفع قبالة نهر الدانوب، وهو النهر الذي يعد شريان الحياة هناك، حيث تتواجد قوارب الفحم التي تنقل حمولتها إلى مصنع الصلب، الذي أدى إلى اصابة 6866 من مجموع سكان القرية البالغ 100 ألف بالسرطان عام 2019.
بجانب ارضية الملعب الذي شهد بدايات الوافد الجديد إلى الهلال السعودي، يوجد مطار به بضع طائرات مروحية قديمة، تتمثل إحدى مهامهما فى الصيف، بإغراق المنطقة بالمبيدات لقتل البعوض.
المهاجم بقميص الهلال
أما ستاد كرة القــدم الوعر المجاور للمطار ما زال يلفت الأنظار، حيث لون العشب أحمر اللون مع بعض البقع، ربما تأثر بسـبـب مصنع الصلب.
يتذكر فويكان راكيتش الذي تجاوز الستين عاما اللحظات الأولى للمهاجم الصربي، قائلا: فاتته أول جلسة تدريبية، بسـبـب ذهابه إلى المطار، ذهب هو وأربعة أطفال إلى هناك، كان الأصغر، لقد تأخروا وسألت، لماذا تأخرتم ومن هذا الطفل الصغير؟ قالوا هذا ألسكندر، إنه صديقنا، أرجوك أيها المدرب، دعه يتدرب معنا.
بدأ ميتروفيتش “28 عاما” لعب كرة القــدم فى 1999، نشأ على مرمى حجر، خلف صف من المنازل المسقوفة بالقرميد الأحمر فى حي مفصول بجانب طريق مزدحم وخط سكة حديد – الذي يعد رابطا مهما لمصنع الصلب، ولحضور التدريب كان يتعين على ميتروفيتش عبور ذلك الطريق بمساعدة المدرب راكيتش.
يقول راكيتش: كان صغيرا لدرجة أنني كنت أمسك به هكذا “ثم يمسك بعنقه” لإيصاله عبر السكة الحديدية، اضطررت للذهاب إلى منزله لأخذه إلى التدريب، ليس من الآمن عبور الأطفال فى سن الخامسه.
كان راكيتش يعلم بامكانيات ميتروفيتش رغم صغر حجمه حينها، كانت والدته ناتاشا ووالده إيفيكا طويلا القامة، وكان هناك نسب كروي فى العائلة.
يشرح قائلا: تدرب والده وعمه بوبان هنا، أقاربه تدربوا هنا، كان والده وعمه لاعــبي كرة قدم جيدين حقا، عندما اكتشفت أنهما والد ألكسندر وعمه، علمت أنه سيكون شيء ما، لأن عائلته بأكملها لعبت كرة القــدم.
كانت عائلته من الطبقة العاملة، باعت والدته تذاكر الحافلة داخل الحافلة، كما كان والده يقود الحافلات، ساعده جده وكانت جدته تطبخ له، خاصة عندما يسافر إلى بلغراد للتدريب مع بارتيزان بلغراد فيما بعد.
مع والديه
نشأ الهداف الصربي مع شقيقه ميلان، الذي كان حارس مرمى فى سنواته الأولى، وكان على الأسرة، وخاصة والديه، تقديم المزيد من التضحيات لميتروفيتش، وضح عنها فى مقابلة سابقة: لقد تخلوا عن كل شيء حتى أتمكن من تحقيق أحلامي، حتى أتمكن من فعل ما أحبه، كان على أخي ان يضحي بنفسه مرات عديدة، على سبيل المثال، عندما لم يكن لدينا المال، لم يحصل على أحذية رياضية أو قمصان جديدة، وذلك لشراء أحذية كرة القــدم أو واقيات الساق لي، أنا سعيد لأنني أستطيع رد الجميل الآن.
كانت شوارع القرية من الخرسانة والحصى، وهو أول ستاد لكرة القــدم لميتروفيتش، ولاحقا مثل العديد من لاعــبي كرة القــدم الشباب فى صربيا، لعب كرة الصالات أيضا.
كانت الساحرة المستديرة وسيلته لتوجيه طاقته المضطربة وإبعاده عن المشكلات، عندما كان ميتروفيتش فى نيوكاسل، قــال فى مقابلة إن والده أخبره أنه عندما يكبر إذا لم يصبح لاعــب كرة قدم فسيكون مجرما أو ملاكما.
وأشار إلى ان أكبر مشاكله فى صغره كانت تتمثل فى إلقاء الحجارة على القطارات وتحطيم النوافذ، ولم يكن طفلا مطيعا، وكان هذا واضحا فى بداية مسيرته.
يقول راكيتش: لقد كان دائما منافسا للغاية، كان يحب لعب كرة السلة، ويحب ان يتسلق أكبر شجرة فى الشارع، كما يحب القتال، عندما يكون هناك شجار بين الأطفال، كان يتوسطهم، ذات مرة عندما انتهى التدريب، كنت ذاهبا إلى منزلي ورأيته فوق طفل واضعا يده حول عنقه، سألته “ألكسندر ماذا تفعل؟ قــال: لا لا، لكم أخي، فقلت له “اترك هذا الولد وشأنه”.
على العشب، كانت موهبة ميتروفيتش واضحة للعيان، قضى حوالى ثلاث سنـوات فى النادى المحلي الخاص بالمدرب راكيتش يدعى “إف سي يونايتد”.
يقول راكيتش: كان موهوبا للغاية، كان صوته مرتفعا ومبهجا، يحب التدريب ولم يطع أوامري قط، كان جميع الأطفال أكبر منه سنا بكثيرا، كان يعاني من التدخلات القوية فى بداياته، لكن بمرور الوقت توصل إلى كيفية تجنب تلك التدخلات وعرف كيفية تخطي اللاعبــين، لانه كان ذكيا جدا، عندما كان فى السابعه لعب فى الدورى مع أطفال يبلغ عمرهم 10 و 11 عاما، وسجل 27 هدفا.
أدرك راكيتش ان إمكانات ميتروفيتش تفوق بكثير ما يمكن ان يقدمه فى ارضية الملعب الذي يتوسط الطائرات والتلال، وقرر ان يأخذه إلى أندية تهتـم بموهبته، ويقول: أينما ذهبت معه، كان افضل بكثير من الأطفال الآخرين، فى الحصة التدريبية الأولى فى سميديريفو سجل 3 اهداف، لقد اندهشوا، لقد كان مع أطفال أكبر منه بعامين.
وفي أحد الأيام اصطحبه راكيتش إلى بلغراد لخوض تجربة مع بارتيزان، أحد أكبر الانديه فى البلاد، سجل ثلاث مرات فى أول مران له، لكن فريق سميديريفو من الدرجة الثالثة لم يكن سعيدا، لاسيما وأن راكيتش كان يعمل هناك فى ذلك الوقت، لانه أخذ الصبي الموهوب دون علم النادى، وأضاف: لقد خضت العديد من المعارك بسببه، لكنني لن أندم على ذلك، فقد كان افضل شيء بالنسبة له، كنت أعرف أنني يجب ان آخذه إلى هناك.
حصل المزيد من النجاحات مع بارتيزان، لعب مع النادى الاول عندما بلغ 17 عاما، وسجل فى الديربي العريق امام ريد ستار، احتفل امام أنصار المنافسين، لكن بعد عقد من الزمان، بعد ان أصبح هداف منتخـب صربيا، بعدما وصل إلى أول 50 هدفا من 75 مباراه “أسرع من كريستيانو رونالدو وميسي مع البرتغال والأرجنتين”، وجد نفسه محبوبا من أطراف جميع أندية بلاده، يمكن رؤية صورته فى الشوارع واسمه على ظهر القمصان التي يبيعها الباعة الجائلين.
ثم توجه إلى أندرلخت البلجيكي، سجل له 44 هدفا فى 90 مباراه وانتصر بجائزة هداف الدورى فى موسمه الثانى، ثم كانت الخطوة الكبرى تجاه نيوكاسل الانجليزي صيف 2015.
عندما وصل إلى نيوكاسل، كان يبلغ “20 عاما” فقط، كان عنيفا، حصل على بطاقتين حمراويتين، تم إيقافه 4 ماتشات، ونال 8 بطاقات صفراء فى أول 43 مباراه مع نيوكاسل، وصفته الصحافة البريطانية بأنه لاعــب قوي جسديا ومقاتل وشخص صدامي، ومع ذلك فإن الصربي ليس تماما كما يبدو، إذ وضحت صحيفة بريطانية: عندما يتكلم يكون صوته رقيقا، إنه مهذب وخجول ومتردد فى البداية فى التواصل البصري، ويخفي قوته بين ابتسامته.
لقد كان نيوكاسل فريقه المفضل منذ طفولته، وكشف فى مقابلة: منذ ان كنت صبيا كنت أعشق نيوكاسل، لقد تابعته طوال حياتي، كان لدي قمصان نيوكاسل، كان الأمر غير مألوف، فمعظم الناس يختارون فريقا مثل مانشستر يونايتد أو برشلونه، لكن بالنسبة لي، كان دائما فريق نيوكاسل.
وأردف: كنت من محبي بارتيزان وهم يلعبون بنفس ألوان نيوكاسل، خطوط سوداء وبيضاء، نيوكاسل هو فريقى وبيتي مثل بارتيزان.
وعن سر قتاله فى ارضية الملعب، ذكر: هذه هي الطريقة الصربية، هذه هي الطريقة التي نتعامل بها مع الأمور، خاصة فى الرياضة، نحن دولة صغيرة، لكن إذا أردنا شيئا فسنقاتل من أجله، إنها عقليتنا، نحن دولة صغيرة لكن أقوياء، عندما ألعب مع أخي “البلي ستيشن” أشعر بالغضب الشديد، وأريد ان أركله عندما أخسر، إنه مجرد شيء بداخلي، أريد الفــوز بكل شيء، لقد كنت دائما على هذا النحو منذ ان بدأت لعب كرة القــدم لأول مرة.
وانتقل ميتروفيتش إلى نيوكاسل مقابل 12 مليون جنيه إسترليني، وتمت إعارته إلى فولهام فى 2018، قبل ان يشتري الأخير عقده صيف ذات العام مقابل 24 مليون يورو.
فى فولهام، حصل على بطاقه حمراء واحدة فى 205 مباراه، لقد ساعده ان يكون أبا على الاستقرار داخل ارضية الملعب، كما ان العمل تحت قيادة ماركو سيلفا المدرب الحالي لفولهام أظهر امكاناته، فمنذ ان تولى المدرب البرتغالي المسؤولية سجل ميتروفيتش 58 هدفا فى 74 مباراه ولعب 14 تمريرة حاسمة.
مع منتخـب بلاده يملك 52 هدفا فى 81 مباراه مباراه، وكادت ان تتسبب ركـله جـزاء فى اعتزاله اللعب الدولى، عندما أهدر ركـله جـزاء حاسمة ضد اسكتلندا فى ملحق بطوله أوروبا، ليحرم صربيا من التاهـل لأول مرة منذ 20 عاما، قــال حينها للتلفزيون الصربي أنه يفكر فى الاعتزال الدولى: لم أغادر فراشي أثناء أول 4 أيام بعد المباراه، لم تغادر تلك الركلة رأسي لمدة سبعة أو ثمانية أيام، الأمر أشبه بخيبة أمل شعبي، البلد بأسره.
لكن بعد 12 شهرا، سجل ميتروفيتش الهدف الذي قاد صربيا إلى كـأس العالم 2022، عندما سجل هـدف الفــوز فى الوقت المحتسب بدل الضائع ليخطف البطاقة من البرتغال.
حضور ميتروفيتش الجسدي فى منطقه الجـزاء وبراعته الجوية، لايمكن ان يقابلهما إلا مزاجه غير المتوقع، والذي يشبه مزاج زين الدين زيدان، إذ يشتهر بضرب المنافسين بالرأس، وقعت الحادثة فى مايو 2014، عندما ضرب مدافـع كلوب بروج وتم طرده من اللقــاء.
وستكون العاصمة السعوديه الرياض وجهته الجديدة بعدما صال وجال فى بلغراد وبروكسل ثم نيوكاسل وأخيرا فى جنوب غرب لندن على ضفاف نهر التايمز حيث مقر فولهام.