حرب غزة حسابات الربح والخسارة
على الرغم من صمت أصوات المدافع عقب نجاح مصر في التوصل إلى هدنة بين الإسرائيليين والفصائل إلا أن أثار تلك الحرب سوف تظل لفترة طويلة ، ولا نبالغ إن قلنا أن شكل المنطقة قبل حرب غزة لن يكون كشكلها بعد الحرب ويمكن القول أن هناك أطراف خرجت رابحة من تلك الحرب بغض النظر عن الدمار الهائل الذي تكبدته غزة بفعل الغارات الإسرائيلية الوحشية والتي لم تفرق بين عسكريين ومدنيين ، ورغم الدمار الهائل الذي الحقته إسرائيل بالمدينة إلا أن الخسائر التي تكبدتها تفوق حجم الدمار الذي الحقته فلقد أعادت تلك الحرب تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر فرغم القدرات العسكرية الهائلة التي تمتلكها إسرائيل إلا أنها عجزت عن التصدي لصواريخ المقاومة التي استطاعت الوصول إلى كل إسرائيل ذارعة الرعب والخوف ببن المدنيين والعسكريين على حد سواء كما أن تلك الحرب فجرت غضب عرب 48 والذين اعتقدت إسرائيل أنها اسكتتهم بالترغيب والترهيب وسوف تنعكس آثار تلك الهبة على احتمالات اندلاع حرب أهلية داخل إسرائيل عاجلا أم آجلا ، وكما حطمت حرب غزة أسطورة الجيش الذي لا يقهر فإن تلك الحرب أدت إلى تراجع دور السلطة الفلسطينية في مواجهة الدور المتنامي لحركة حماس حيث فشلت السلطة في إدارة الصراع سواء بقرارها تأجيل الإنتخابات والذي أدى إلى إعادة الانقسام إلى الساحة الفلسطينية فضلا عن فشلها في تقديم الدعم المنتظر للانتفاضة الفلسطينية التي تفجرت في القدس وأماكن أخرى بفعل الإجراءات الإسرائيلية القمعية وإذا كانت إسرائيل والسلطة أبرز الخاسرين من تلك الحرب فإن حركة حماس تعد أبرز الرابحين فلقد أدت تلك الحرب إلى التفاف الشعب الفلسطيني حول المقاومة التي تقودها حماس واصبح من الصعب تجاهل حركة حماس في أي تسوية قادمة ولكن المهم أن تستثمر حركة حماس ما حققته في تلك الحرب وتنأى بنفسها عن ربط الإنجاز الذي تحقق بمساعدات أطراف خارجية كايران خاصة ونحن مقبلون على علمية إعادة إعمار غزة حيث تتحفظ الكثير من الأطراف العربية والدولية على ربط المساعدات المقدمة لغزة بحماس بدعوى ارتباطها بإيران والتي تثير القلاقل بالمنطقة أما بالنسبة لنتائج تلك الحرب على الأطراف المحيطة بالأزمة فيمكن القول أن مصر أكبر الدول الرابحة منها حيث أدرك العالم ودول المنطقة أن مصر هي اللاعب الرئيسي في القضية الفلسطينية والذي لا يمكن تجاهله وأنه لا حرب أو سلام في المنطقة بدون مصر أما بالنسبة للأطراف الأخرى فلقد تراجع الدور التركي الذي لم يقدم للفلسطينيين الدعم المنتظر أما بالنسبة للدور الإيراني فلقد استغلت إيران الأزمة لتحقيق أجندتها الخاصة فيما يتعلق بالمفاوضات حول ملفها النووي كما عرفت تلك الأزمة دول التطبيع أمام شعوبها بعد أن كشفت وجهها الحقيقي بأنها باعت عروبتها في سبيل الحفاظ على بقاء أنظمتها بدعم إسرائيلي وأمريكي ولم تستوعب تلك الدول دروس التاريخ بأن من لا يراهن على شعبه سوف يخسر كل شيئ ، وفي النهاية وبعيدا عن حسابات الربح والخسارة لكل طرف فإن الرابح الأكبر من تلك الحرب القضية الفلسطينية التي أعادت تلك الحرب إحيائها خاصة في قلوب الأجيال القادمة وسوف تظل تلك القضية حية أبد الدهر لأن هذه سنة الحياة التي كرسها الله في أرضه بأن الظالم مهما طغى وتكبر فإن نهايته حتمية .
مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن