يواصل فينيسيوس جونيور لاعــب فريق ريال مدريد معركته ضد العنصرية بعدما كان ضحية لها فى العديد من المناسبات بالملاعب الإسبانية، ونشر لاعــب منتخـب البرازيل على صفحته الرسمية فى”إنستغرام” تدوينة متسائلا: “إلى متى يا كونميبول؟”، وذلك بعدما تعرض لويجي هانري مهاجـم بالميراس للعنصرية فى مقابلة ضمن مـسابقـه “ليبارتادوريس” تحت 20 عامًا.
وقام أحد مشجعي فريق سيرو بروتينيو الباراغواياني بأصوات وحركات “قردة” تجاه اللاعب البالغ من العمر 18 عامًا، ما تسبب فى خروجه باكيا من ارضية الملعب وتاركا وراءه ضجة جديدة تتعلق بالعنصرية التي لا يبدو ان أمريكا الجنوبية ستتخلص منها بسهولة.
فينيسيوس يواصل التنديد ضد العنصرية فى البرازيل
يعتبر فينيسيوس فى الوقت الحالي، واحدا من أكثر اللاعبــين المنددين بالعنصرية وخاصة ضد بني جلدته البرازيليين، وهو ما يأتي من خلفية تاريخية مليئة بالأحداث فى بلد طالما كانت العنصرية فيه أشبه بـ”الثقافة الشعبية”، قبل ان يتخلص البرزيليون منها بفضل كرة القــدم أكثر من أي شيء آخر.
فى 13 من مايو/ أيار 1888، أصدرت “دونا إيزابيل” أميرة البرازيل ووريثة العرش، القانون الذهبي الذي عرف بـ “Lei Áurea”، الذي أبطل العبودية فى بلاد السامبا ليكون علامة فارقة فى تاريخ البلد، لكنه لم ينه إطلاقا مظاهر التمييز العنصري التي لا يزال بعض البرازيليين يشتكون منها إلى اليـوم، وخاصةً فيما يتعلق بالحقوق والظروف المحيطة بالعمل.
رسالة فينيسيوس بعد الهجوم على هانري
وبعد 26 عامًا بالضبط على إنهاء العبودية فى البرازيل، وتحديدا يـوم 13 من مايو 1914، كان كارلوس ألبيرتو لاعــب فريق فلومينينسي على موعد مع مواجهه ناديه السابق “أمريكا”، ولأنه كان أول أسود على الإطلاق يحمل ألوان فريق الأرستقراطيين، لجأ فى تلك المواجهة إلى فرك وجهه بمسحوق الأرز الأبيض، ما اعتبره أنصار أمريكا تنكرا من طرفه لإخفاء لونه الحقيقي على جمهور فريقه.
وبسبب هذا التصرف، سخر مشجعو فريق “أمريكا” من نظرائهم فى فلومينينسي وأطلقوا عليه تسميه فريق “مسحوق الأرز Pó de Arroz”، وهي السخرية التي تحولت بعد ذلك إلى لقب يفتخر به أنصار هذا النادى، وإلى اليـوم هم ينثرون مسحوق الأرز فى المدرجات قبل كل مباراه، خاصة وأن رواية النادى تؤكد ان اللاعب فرك “البودرة” فعلا ولكن لتخفيف تهيج الجلد وليس خوفا من العنصرية.
فى بدايات القرن العشرين لم تكن البرازيل قوة كروية كما كان عليه الحال مع الجارتين الأرجنتين والأوروغواي، وذلك بسـبـب التمييز العنصري الذي جعل “السيليساو” حكرا على اللاعبــين البيض دون غيرهم، وذلك فى اطار مشروع “تبييض البرازيل” الذي بدأ باتفاق المسؤولين فى البلد على إستقبال المهاجرين لإنقاذ مزارع القهوة، ولكن من أوروبا وليس القارة السمراء.
فى تلك السنوات كان البرازيليون يحاولون تقديم صورة مختلفة عن واقعهم للعالم من أثناء كرة القــدم، وذلك من أثناء تصوير بلدهم كدولة ذات “أغلبية بيضاء”، الأمر الذي أشار إليه ثيودور روزفلت الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة الأمريكية فى مقال كتبه سنة 1913 على مجلة (The Outlook) اثناء قــال: “الغالبية العظمى من مجموعه الإدارة والمحكمة العليا، والرجال ذوو الرتب العالية فى جميع دوائر الحياة فى البرازيل، هم من ذوي الدم الأبيض النقي، ومع ذلك هناك نسبة مئوية من الدماء الهندية فى عروقهم، وهم فخورون جدا بهذه الحقيقة”.
ووسط هذه السياسة التي لم ترصد للبرازيل نجاحا فى كرة القــدم مقارنة بجيرانها، كان آرثور فريدينريتش الذي ينتمي لفئة “المولاتو”، فوالده كان من أصول ألمانية، أما والدته ماتيلد فكانت برازيلية سوداء، ولذلك فإن ملامحه لم تكن أوروبية خالصة ولا أفريقية بحتة، ما سهل عليه اقتحام عالم كرة القــدم والمنتخب البرازيلي بسهولة، ليصنف لاحقا أول أسطورة كروية فى تاريخ “السيليساو”.
رغم كونه من “المولاتو” إلا ان فريدينريتش استبعد من كوبا أمريكا 1921 بوصية من رئيس البرازيل إيبيتاسيو بيسوا الذي أمر بأن يمثل “السيليساو” اللاعبون البيض فقط للحفاظ على سمعة البلاد فى الخارج، الأمر الذي ندّدت به الصحف الملحية بقولها إن “المسؤولين عن الرياضة وفي خطوة بغيضة يستبعدون السود والمولاتو من الصورة الوطنية”.
فى مونديال 1938 بدأت أول مظاهر “البرازيل الأسمر الساحر” عندما نصب ليونيداس دا سيلفا نفسه هدافًا لكأس العالم بـ 7 اهداف، وأعطى شارة الانطلاق لهوية “السيليساو” الكروية التي ظهرت للعالم مع بيليه وغارينشا، واستمرت طيلة عقود مع أسماء صنعت مجد البلد الكروي وجعلت العالم يعرف هذا البلد على أنه “بلد كرة القــدم” وبلد “رقصة السامبا” الإفريقية.