تحمل ماتشات الديربي عبر العالم فى طياتها المزيد من القصص والأسرار، خاصةً تلك المتعلقة بأسباب تشجيع جزء من المدينة لفريق والجزء الآخر للفريق الثانى، وكثيرًا ما يتساءل محبي “المستديرة” حول تفضيل الآلاف تشجيع نادٍ لا يعتبر الأفضل فى تلك المدينة، وهل هناك خلفيات تاريخية قوية وراء ذلك؟ وهو أمر ينطبق بكل تأكيد على ديربي مدريد.
وفي مدينة مدريد تحديدًا، يجد محبو كرة القــدم غرابةً كبيرةً عندما يدركون ان أندية أخرى صغيرة جدًا على غرار رايو فايكانو وخيتافي وليغانيس تملك مشجعين كثرًا رغم أنها أندية من نفس مدينة النادى الذي يشجعه الملايين عبر العالم باعتباره أحد افضل الانديه فى التاريـخ.
وعكس هذه الانديه، يبقى تشجيع أتلتيكو مدريد أمرًا منطقيًا للغاية، غير ان التساؤلات تطرح دائمًا حول سبب تفضيل مشجعيه المتعصبين لهذا النادى بدلًا من مناصرة النادى الأكثر شهرة وتتويجا فى المدينة وإسبانيا والعالم، وما إن كان ذلك مرتبط بأسباب سياسية أو حتى ثقافية واجتماعية، وهو ما يمكن توضيحه فى ديربي مدريد.
بداية الحكاية فى ديربي مدريد
فى عام 1897 أسس مجموعه من الأكاديميين والطلاب فى مؤسسة التعليم الحرة التي ضـمّت العديد من خريجي جامعتي كامبريدج وأكسفورد البريطانيتين، فريقًا لكرة القــدم وأطلقوا عليه اسم “Sociedad Foot-ball Sky”، وكان معروفًا اختصارًا باسم “لا سوسيداد” أو الجمعية، وبحلول العام 1900 تسبب صراع داخلي فى خروج بعض الأعضاء لتأسيس نادٍ حديث أطلقوا عليه تسمية “Nueva Sociedad de Football” أو الجمعية الجديدة لكرة القــدم.
كان من بين المؤسسين للجمعية الجديدة جوليان بالاسيوس وصديقيه من مدينة برشلونه خوان بادروس وشقيقه كارلوس بادروس، وبحلول السادس من شهر مارس 1902 تم انتخاب مجلس اداره حديث وتأسس بشكل رسمي “فريق مدريد لكرة القــدم” كبديل عن “الجمعية الجديدة لكرة القــدم”، ليكون للمفارقة، الكتالوني خوان بادروس أول رئيس فعلي للنادي الجديد بعدما كان جوليان بالاسيوس أو رئيس للنادي قبل ترسيمه بين 1900 و1902.
بعد تأسيس “فريق مدريد لكرة القــدم” تأسس فى المدينة العديد من فرق كرة القــدم مما أدى إلى زيادة المنافسة، وهنا لجأ “ريال مدريد” بمسماه الحديث غلى ضـم بعض الانديه إليه فى صورة فريق موديرنو لكرة القــدم والجمعية الرياضية الودية ونادي مونكلوا، غير أنه لم يتمكن من ضـم كل الانديه التي أُنشِئَت فى العاصمة مما أدى لزوالها عاجلًا بسـبـب ضعفها وعدم قدرتها على المنافسة، لتترك وراءها مشجعين حاملين فى قلوبهم كرهًا عظيمًا للفريق الأبيض، كونه النادى الذي “قتل أنديتهم”.
عداوة من نار فى ديربي مدريد
وفي الوقت الذي لم تكن بقية الانديه قادرة على مـسابقـه فريق مدريد لكرة القــدم، تأسس سنة 1903 نادٍ حديث فى العاصمة كفرع لنادي أتلتيك بيلباو الذي تأسس سنة 1898 على يد خوان آستوركيا أحد ابناء الطبقة البورجوازية فى “الباسك”، والذي تعلق بكرة القــدم فى اثناء دراسته فى مدينة مانشستر وأيضًا بالاحتكاك مع الطلاب وعمال الموانئ الإنجليز الذين جلبوا كرة القــدم إلى بيلباو فى حدود 1892.
أدى صمود هذا المولود الجديد المُسمى “Athletic Club de Madrid” إلى استقطاب أنصار كل الانديه التي قتلها تأسيس ريال مدريد، فأصبحوا مشجعين أوفياء وفي نفس الوقت كارهين جدًا للفريق الأبيض القوي، ولأنه كان فريقًا فرعيًا لـ بيلباو، فقد ارتدى “الأتلتيكو” الأزرق والأبيض وهي نفس ألوان النادى الباسكي التي اقتبسها من ألوان بلاكبيرن روفرز الانجليزي، وهي الشرارة التي أدت إلى تأسيس ديربي مدريد.
بحلول العام 1909 تحولت ألوان أتلتيك بيلباو إلى الأحمر والأبيض بعدما طلب النادى من طالب باسكي اسمه “خوان إلوردوي” إرسال أطقم جديدة لنادي بلاكبيرن من إنجلترا، لكنه لم يعثر على العدد الكافي فقام بإرسال 50 طقمًا بألوان ساوثهامبتون كونها تتطابق مع ألوان “مدينة بيلباو” لتصبح وإلى اليـوم الألوان الرسمية للفريق.
فى العام 1911 لعب بيلباو وفرعه فى مدريد مباراه ودية، وفي اثناء عشاء التوأمة سأل المدريديون زملاءهم الباسكيين إن كانوا يملكون أقمصة إضافية كالتي يرتدونها (الأحمر والأبيض)، وفعلًا، كان خوان إلوردوي يحتفظ بـ 25 قميصًا من تلك التي جلبها من إنجلترا، فأهداها إلى الأتلتيكو ليستمر التطابق والصداقة حتى يومنا هذا.
بعدما بعام واحد، تولى اللاعب السابق جوليان رويتي رئاسة النادى وتدريبه أيضًا، وبدأ الخطوات النهائيـه نحو الانفصال الرياضي عن النادى الباسكي، مستفيدًا من تنظيم كرة القــدم الإسبانية فى اتحاد كروي يـوم 29 سبتمبر 1913، ليبقى الارتباط بين الفريقين واعي بالمشاعرًا إلى اليـوم، وخاصة جماهيريًا، ذلك ان قوة بيلباو هي التي سمحت لـ”الأتلتيكو” بأن يكون فريقًا فى مدينة مدريد ويستطيع مقاومة النجاح الكبير لريال مدريد، الأمر الذي فشل فيه المزيد من أندية المدينة.
كان هذا الفاصل التاريخي سببًا رئيسًا فى نشأة العداوة الجماهيرية بين الفريقين بما يعرف ديربي مدريد المستمر حتى الوقت الحالي، لتنشأ أسباب أخرى كثيرة فى المستقبل، سواء فى الجانب الاجتماعي بارتباط الطبقة الكادحة بـ”الروخي بلانكوس” والغنية بـ”الميرينغي” أو فى الشق السياسي من أثناء تشجيع الجنرال فرانكو لـ أتلتيكو مدريد فى البداية ثم تحوله لتفضيل ريال مدريد، والكثير من التفاصيل الاخرى التي جعلت ديربي مدريد واحدًا من أكثر الدربيات سخونة عبر العالم.