يشتهر منتخـب هولندا بأنه أحد أكثر المنتخبات غير المحظوظة فى تاريخ الساحرة المستديرة، ولم يأت هذا الاسم من فراغ، إذ إن “البرتقالي” هو المنتخـب الوحيد الذي بلغ نهائي كـأس العالم ثلاث مرات دون ان يتوج بالالقاب ولو لمرة واحدة، علمًا أنه خسر فى المرتين الأولى والثانية مقابل البلد المضيف (ألمانيا الغربية 1974 والأرجنتين 1978) فيما كانت الخسارة الثالثة مقابل إسبانيا فى الوقت الإضافي من نهائي مونديال 2010.
ورغم ان الكره الهولندية أنجبت المزيد من النجوم الذي سطروا اسمهم بأحرف من ذهب فى تاريخ كرة القــدم الأوروبية والعالمية إلا ان خزانة الالقاب لا تضم سوى لقب واحد من أثناء بطوله يورو 1988.
ومع اقتراب موعد مباراه هولندا وإسبانيا يـوم الخميس، فى ذهاب الدور ربع النهائى لبطولة دورى الأمم الأوروبية، يستذكر الهولنديون دائمًا مباراه حرمتهم من التاهـل إلى نهائيات يورو 1984 فى فرنسا، وهي المباراه التي لا زالت تثير شكوكاً فى داخلهم حول وجود مؤامرة ما فى كواليسها.
هولندا وإسبانيا … أحداث ما قبل صافرة البداية
تعود الحكاية إلى تصفيات المجموعة السابعه المؤهلة إلى نهائيات امم أوروبا 1984، فى ذلك الحين كانت هولندا مع إسبانيا فى المجموعة ذاتها إلى جانب جمهورية إيرلندا، وآيسلندا ومالطا.
ومنذ ان سحبت القرعة كان من الواضح ان بطاقه التاهـل الوحيدة عن هذه المجموعة ستنحصر ما بين المنتخبين الهولندي والإسباني. وبالفعل تبادل المنتخبان الفــوز (كل فى ميدانه) ليصل كل منهما رصيده إلى 11 نقطة قبل الوصول إلى الجولة الاخيرة التي يستقبل فيها كلاهما منتخـب مالطا.
فى السابع عشر من ديسمبر عام 1983 حصل منتخـب هولندا الفــوز بـخمسة اهداف على نظيره المالطي فى المباراه التي جرت على ستاد دي كويب فى روتردام ليصل رصيده إلى 13 نقطة ويحظى بفارق اهداف (+16). وهو ما كان يعني اقترابه بشكل عظيم من التاهـل إلى (يورو 84) خاصة ان إسبانيا كانت بحاجة للفوز بفارق 11 هدفاً فى مباراته الاخيرة مقابل مالطا، علماً ان منتخـب (لا روخا) كان قد سجّل 12 هدفاً فى كل مبارياته السبعة السابقة، وكان قد تغلب بصعوبة على مالطا فى مباراه الذهاب (3-2) بعد ان تأخر بنتيجة (2-1) حتى الـدقيقـه 60، علماً ان هـدف الفــوز سجله غورديلو فى الـدقيقـه 84.
معجزة فيامارين
اختارت إسبانيا التي كان يدربها المدرب المعروف ميغيل مونيوز ان تلعب مباراتها الاخيرة مقابل مالطا فى الحادي والعشرين من ديسمبر 1983 على ستاد فيامارين الخاص بفريق ريال بيتيس فى إشبيلية.
لم يكن المزيد من المشجعين الإسبان يأملون بأن يحقق منتخبهم فارق الأهداف المطلوب، وهو ما جسده حضور 18 ألف متفرج فقط فى المدرجات التي تتسع إلى أكثر من 50 ألفًا. وقبل المباراه صرح حارس مرمى منتخـب مالطا خوان بونيللو أنه لن يرجع إلى بلاده إذا ما تعرضت شباكه لأحد عشر هدفاً.
بدأت المباراه التي أدارها طاقم حكام تركي بركلة جـزاء مهدرة من قبل الإسباني خوان سينيور فى الـدقيقـه الرابعة، لكن سانتيلانا افتتح التسجيل فى الـدقيقـه 15 قبل ان يدرك منتخـب مالطا التعادل فى الـدقيقـه 24، لكن سانتيالانا عاد ليسجل هدفين آخرين فى الدقيقتين 26 و28، لينتهي الشوط الاول بنتيجة (3-1) وكان ذلك يعني ان منتخـب (لاروخا) بحاجة لتسجيل تسعة اهداف فى الشوط الثانى ليحرم هولندا من الحصول على بطاقه التاهـل.
ومنذ الـدقيقـه الأولى لشوط المباراه الثانى بدأ تسجيـل الأهداف فسجل رينكون أربعة اهداف وأكمل سانتيلانا السوبر هاتريك فيما اضاف كل من ماسيدا هدفين وسارابيا هدفاً لتصبح النتيجة (11-1) بحلول الـدقيقـه 80.
كان منتخـب إسبانيا بحاجة إلى هـدف فى آخر عشر دقائق وتحقق له ذلك فى الـدقيقـه 84 عن طريق سينيور الذي أهدر ركلة الجـزاء فى بداية المباراه ليكفر عن ذنبه ويمنح الإسبان بطاقه التاهـل وسط ذهول الجميع بمن فيهم لاعبو هولندا الذين كانوا يتابعون المباراه عبر شاشات التلفزة الإسبانية.
حكاية الليمون والمنشطات
بينما احتفت الصحافة الإسبانية بثاني أكبر انتصار كروي فى تاريخ منتخبها بعد الفــوز على بلغاريا (13-0) عام 1933 ووصفت ما حصل بمعجزة فيامارين، خرجت تقــارير عدة تلمح إلى وجود مؤامرة وتراخ من قبل لاعــبي مالطا فى شوط المباراه الثانى، وبالفعل قام رئيس الاتحاد المالطي لكرة القــدم آنذاك جورج أبيلا (والذي أصبح رئيساً للبلاد بعد عدة سنـوات) بفتح تحقيق حول المسألة دون ان يتم إثبات شيء.
وبعد سنـوات طويلة خرج مدير فني مالطا فكتور سكيري بتصريحات مثيرة للجدل قــال فيها إنه شاهد بأم عينه لاعــبي منتخـب إسبانيا وهم يشربون ما وصفه (بعصير منشطات) ما بين الشوطين ما أعطاهم القوة لتقديم شوط مختلف بعد استراحة ما بين الشوطين، ليخرج مسؤولون إسبان (ومن بينهم عدد من اللاعبــين) ليؤكدوا أنه كان شراب ليمون لا أكثر.
لم يتمكن أحد من إثبات وجود أي تواطؤ ورأى البعض ان منتخـب مالطا (الضعيف) كان يعاني من إجهاد عظيم بسـبـب خوضه مباراه قبل أربعة أيام فى هولندا واضطر للسفر بعدها إلى إسبانيا ولعب مباراه قوية أدت إلى انهياره بدنياً فى الشوط الثانى.
نجحت إسبانيا فى انتزاع بطاقه التاهـل إلى يورو 1984 فتصدرت مجموعتها بعد التعادل مع رومانيا (1-1) ومع البرتغال بنفس النتيجة قبل ان تفوز على ألمانيا الغربية (بطل أوروبا ووصيف العالم) بهدف سجله ماسيدا فى الـدقيقـه 90 لتفوز بعدها على الدنمارك (5-4) بركلات الجزاء فى نصف النهائى قبل ان تخسر النهائى فى ستاد حديقة الأمراء مقابل فرنسا (البلد المضيف) بهدفي ميشيل بلاتيني وبرونو بيللوني، وتكتفي بالوصافة.
أما هولندا فقد انتظرت أربع سنـوات أخرى لتحقق لقبها الكبير الوحيد فى يورو 1988 عبر جيل حديث من اللاعبــين ضـم الثلاثي فان باستن وريكارد ورود غولييت.