قد يختلف محبي كرة القــدم حول هوية اللاعب الأفضل فى التاريـخ، بين مؤكدٍ لتفوق ميسي بالأرقام كمهاجم وصانع ألعاب ومراوغ، وآخر مقتنع بأفضلية مارادونا كرويًا وكواحد من أكثر اللاعبــين الملهمين فى التاريـخ، وثالث مشيرا إلى تفوق بيليه “المونديالي” وصاحب الأرقام الخرافية وطريقة اللعب السابقة لعصرهما، لكن هؤلاء سيجتمعون على رأي واحد حتماً إن تعلق الأمر بهوية النادى الأنجح فى التاريـخ، والذي لن يكون سوى ريال مدريد وما من نادٍ سواه.
يتربع النادى الملكي على 100 لقب رسمي، منها 15 لقباً فى دورى أبطال أوروبا كأكثر الانديه تتويجاً وبفارق 8 بطولات كاملة عن أقرب ملاحق، ومثلما نجح النادى الأبيض فى التتويج بـ6 بطولات فى أول 11 نسخة من دورى الأبطال، عاد وتوج بـ6 بطولات أيضاً فى آخر 11 نسخة، وبينهما توج بثلاثة بطولات فى عقدين مختلفين؛ لقب فى التسعينيات ولقبين فى العشرية الأولى من القرن الجديد.
لطالما تعرّض ريال مدريد لانتقادات كثيرة بسـبـب إنفاقه الباهظ وغير الفعال فى بعض الأحيان أثناء العقد الاول من القرن الحادي والعشرين، وذلك فى سبيل إنشاء “غالاكتيكوس” كان الهدف الاول منه تقديم وجه تجاري عظيم للفريق ومنافسة شعبية مانشستر يونايتد على مستوى العالم، وخاصة فى آسيا وأمريكا.
غير ان الريال ورغم المزيد من صفقاته الباهظة الفاشلة فى صورة صفقة إيدين هازارد، حصل أبرز نجاحاته الاخيرة باستراتيجية مالية ناجحة جدًا، نجح من خلالها فى مـسابقـه إستراتيجية غريمه برشلونه الذي حصل المزيد بالاعتماد على مدرسته الكروية “لاماسيا”.
ريال مدريد “زعيم” الحكمة المالية فى سوق الصفقات
وكانت صحيفة “آس” الإسبانية قد كشفت فى دراسة خاصة، ان ريال مدريد يعتبر أحد الانديه الكبيرة الأقل إنفاقاً فى أوروبا منذ موسم 2016-2017، وذلك بمقارنة المصاريف مع مداخيل النادى فى نفس الفـترة، حيث كان الفارق سلبياً بـ 151 مليون يورو فقط، بإنفاق 896 مليون يورو على التعاقدات وجمع 745 مليون يورو من بيع اللاعبــين، وهو ما تفوق فيه الريال على 34 نادياً آخر حول العالم.
وأشارت الدراسة إلى ان ريال مدريد يملك صافي إنفاق أقل من أندية متوسطة على غرار فولهام أو إبسويتش تاون أو بورنموث أثناء ترك الفـترة، بل إن فارق الريال السلبى كان أقل من غريمه برشلونه بـ 193 مليون أورو، رغم ان النادى الكتالوني كان يعاني مالياً وحاول بدوره العمل بإستراتيجية “بخيلة” فى الإنفاق لتغطية العجز المالي، أما باريس سان جرمان فحقق فارقاً سلبياً قدره 927 مليون يورو فى ذات الفـترة، أي بزيادة عن الريال بـ776 مليون يورو.
بعد التتويج بدوري أبطال أوروبا للمرة العاشرة سنة 2014، وتحديدًا منذ العام 2015، اعتمد ريال مدريد فى سوق انتقالاته على 3 نقاط رئيسة وهي: شراء اللاعبــين الشباب قبل صناعة اسمهم فى ريال مدريد بصفته أكبر نادٍ أوروبي ينضمون إليه، والتعاقد مع لاعبين مؤكدين قادرين على تقديم الإضافة فى نهاية عقودهم، وفي المقام الثالث تخصيص نفقات كبيرة لخطف لاعبين نجوم متاحين فى السوق.
ونجد فى الفئة الأولى لاعبين مثل فيدي فالفيردي الذي تم استقدامه من بينارول الأوروغواياني سنة 2016 مقابل 5 ملايين يورو، لتبلغ قيمته اليـوم 130 مليون أورو، إضافة إلى فينيسيوس الذي تم الاتفاق معه مقابل 45 مليون يورو، لتُقدَّر قيمته اليـوم بـ200 مليون يورو حسب موقع “ترانسفير ماركت” الألماني المختص.
وفي الفئة الثانية التي تتحدث عن الاتفاق مع لاعبين كبار بعد نهاية عقودهم، تبرز أسماء كبيرة ترصد فى الوقت الحالي مستويات ممتازة برفقة النادى الملكي، فى صورة أنطونيو روديغير وكيليان مبابي، ناهيك عن دافيد ألابا الذي عانى كثيراً من الإصابات، فى انتظار صفقة ألكسندر أرنولد المرتقبة فى الصيف المقبل، ليبقى الفارق المالي الوحيد مع هذه الأنتقالات هو راتب هؤلاء اللاعبــين المرتفع وأيضاً دفع قيم توقيع كبيرة قد تُعادِل أحياناً قيمة الشراء عندما يتعلق الأمر بلاعبين محل مـسابقـه كبيرة من طرف الانديه العملاقة.
ويبرز فى الفئة الثالثة لاعبون كبار يؤكد ريال مدريد بشرائهم ان سياسته الجديدة لا يمكن ان يسيطر بها على السوق دون دفع أموال ضخمة عندما يتعلق الأمر بلاعبين محل مـسابقـه قوية، وهو تماماً ما حدث عند شراء جود بيلينغهام بقيمة 113 مليون أورو من بوروسيا دورتموند وخطفه من ليفربول الذي سعى كثيراً لضمه هو الآخر باستخدام مغريات كثيرة، أبرزها راتب سنوي مرتفع وأكثر من ذلك المعروض فى إسبانيا.
وتؤكد صفقة بيلينغهام على سبيل المثال لا الحصر، ان ريال مدريد ورغم أنه لا يزال النادى الذي يحلم به جميع اللاعبــين عبر العالم، إلا ان دخول أندية أخرى غنية على الخط فى صورة الانديه الإنجليزية، يتسبب عادةً فى حرمانه من الحصول على أسماء ثقيلة أو أخرى شابة، مثلما حدث مؤخراً عندما خسر ليني يورو صاحب الـ19 لصالح مانشستر يونايتد، ذلك ان الأخير دفع راتباً كبيراً للاعب ناهيك عن دفع 62 مليون يورو للتعاقد معه، قادماً من ليل الفرنسي.
ووسط كل هذه الإستراتيجيات الداخلية والصراعات الخارجية مع أندية أخرى، يلعــب جوني كالافات المسؤول عن كرة القــدم الدولية فى وحدة التوظيف دوراً بارزاً لجذب المواهب إلى النادى الملكي من جميع أنحاء العالم، وخاصة فى أمريكا الجنوبية التي باتت أرض صيد مفضلة “للميرينغي”.
وفي ظل الواقع الكروي الجديد والتحديات المالية الكثيرة، يؤكد المقرون من فلورنتينو بيريز رئيس الريال ان خطته الحالية واضحة للغاية ومتمثلة فى جعل النادى مكتفياً ذاتياً قدر الإمكان وأقل اعتماداً قدر الإمكان أيضاً على العوامل الخارجية مثل الائتمان المصرفي وحقوق البث التليفزيوني أو الدخل المرتبط بالأداء فى المسابقات، ذلك ان هذه العوامل مرتبطة بنظام مالي خارجي يُمكن ان ينهار فى أي وقت.
ويريد رئيس النادى الأنجح فى تاريخ كرة القــدم بسياسته الجديدة مضاعفة الدخل وعدم المخاطرة بأن يجد نفسه وسط قضايا كثيرة كالتي يعيشها غريمه التقليدي برشلونه، ومن هنا، تم وضع إستراتيجية أخرى تخص مدرسة النادى “لا فابريكا” التي أشار تقرير مرصد كرة القــدم CIES مؤخراً أنها المدرسة الأكثر تقديماً للاعبين لأندية الدوريات الخمسة الكبرى فى السنوات العشرين الماضية، والمُقدَّر بـ166 لاعباً نجحوا فى جمع 1.078.118 دقيقة كاملة.
وحسب التقارير، فإن فريق ريال مدريد حصل على أزيد من 200 مليون أورو من اللاعبــين الذي تكونوا فى “لا فابريكا” ورحلوا إلى أندية أخرى منذ عام 2010 وإلى الآن، وإلى جانب العوامل الكروية نجح ريال مدريد فى جعل ستاد “سانتياغو بيرنابيو” مصنعاً للأموال على الطريقة الأمريكية، حيث حوّله إلى ستاد عصري وعالمي بخطة تجارية ضخمة تتضمن مثلاً تنظيم الحفلات الموسيقية لأكبر الفنانين فى العالم، ما وصل مداخيل ارضية الملعب أثناء الجزء الثانى من عام 2024 إلى 43.9 مليون أورو، وبزيادة قدرها 177%.
وتفسر كل هذه التفاصيل معارضة ريال مدريد لمشروع صندوق CVC الاستثماري فى الدورى الإسباني، وذلك لتفادي توريط النادى فى ديون يصعب دفعها على مدار خمسين سنة قادمة، وفي ظل النجاحات الكروية الكبيرة، يتوقع الخبراء ان يحصل الريال على عائدات بقيمة 1.2 مليار يورو لهذا العام، ناهيك عن توقيع اتفاقيات رعاية كبرى وزيادة فى إيرادات التسويق، وهي وصلت إلى زيادة بنسبة 38% بين تموز / يوليو وديسمبر/ كانون الاول 2024، مقارنة بنفس الفـترة من سنة 2023.