لماذا تقدمت إسرائيل وتخلف العرب
على الرغم أن عمر دولة إسرائيل لم يتعدى الثلاثة وسبعون عاما منذ إعلان قيامها عام 1948 إلا أن الدولة الوليدة التي قامت على أنقاض أصحابها الأصليين من الفلسطينيين بالعنف والإرهاب تارة وبالخديعة تارة أخرى استطاعت خلال تلك الفترة الوجيزة أن تصبح في مصاف الدول الكبرى وفي المقابل تحولت الأمة العربية التي استطاعت تكوين إمبراطورية امتدت من المحيط إلى الخليج على أنقاض أكبر امبراطوريتين وهما إمبراطورية الروم والفرس من إمبراطورية مترامية الأطراف فرضت هيبتها على العالم كله إلى دويلات متناحرة يتناحر أبناؤها عاجزة عن الحفاظ على حدودها أمام أطماع دول العالم ولعل هذا يطرح تساؤلا لابد من الإجابة عليه وتحليله لماذا تقدمت إسرائيل وتخلف العرب؟! صحيح أن دولة إسرائيل اعتمدت منذ قيامها على دعم الدول الكبرى سواء أكان ذلك بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة إلا أن هذا كله لم يكن ليصنع تقدم تلك الدولة التي أصبحت الآن في مصاف الدول الكبرى من ناحية التقدم التكنولوجي أو العلمي أو الإقتصادي ولعل هذا التقدم الهائل يرجع إلى عدة أسباب أهمها التخطيط المدروس فلقد وضع المؤتمر الصهيوني الأول الخطوط الرئيسية لقيام دولة إسرائيل حيث اعتمدت إسرائيل في بدايتها على دعم بريطانيا والتي كانت وقتئذ أكبر إمبراطورية في العالم حيث استغل أثرياء اليهود حاجة بريطانيا للدعم المالي أثناء الحرب العالمية الأولى في الحصول على وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وبعد تراجع الإمبراطورية البريطانية اتجه أثرياء اليهود إلى الولايات المتحدة والتي أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية القوة الرئيسية في العالم واستطاعت إسرائيل خلال فترة وجيزة أن تتوسع في أراضي الغير وتحتل أراضي ثلاث دول عربية محققة حلم إسرائيل القديم من النيل إلى الفرات والذي استطاعت تحقيقه بالقوة المسلحة والتقدم الإقتصادي والنفوذ السياسي حتى استطاعت أن تصل لدول الخليج والسودان ودول أفريقيا دون أن تقدم أية تنازلات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفي المقابل أعتمد العالم العربي على الارتجالية وسوء التخطيط وعدم وضوح الهدف رغم إمكانيات العالم العربي الهائلة وانعكس سوء التخطيط على فشل محاولات التقارب بين دول العالم العربي بدءا من فشل تجربة الوحدة المصرية السورية مرورا بفشل تجربة مجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي ورغم تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي بعض النجاحات إلا أن تلك التجربة أيضا لم تحقق النتائج المرجوة منها بسبب الصراعات الظاهرة والخفية بين أعضائها ، واحترام حقوق الإنسان فمما لاشك فيه أن التقدم الذي أحرزته دولة إسرائيل لم يكن له أن يتحقق لولا احترام تلك الدولة حقوق مواطنيها وأدميتهم فرغم عنصرية دولة إسرائيل في تعاملها مع السكان العرب إلا أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي يوجد بها نظام ديمقراطي فرئيس الحكومة تتم محاسبته ورئاسة الحكومة ليست حكرا على أحد في الوقت الذي تتحكم في العالم العربي نظم استبدادية لا مجال فيها للرأي الآخر يتم فيها إصدار القرار من خلال فرد واحد ويتم التنكيل بالمعارضين وكان طبيعيا من خلال حكم الفرد أن تتلقة الدول العربية الهزيمة تلو الأخرى في ظل غياب الخبراء وأهل العلم لأنه لا مجال في تلك الدول إلا لأهل الثقة والمنافقين المتملقين للسلطة وقد انعكس احترام دولة إسرائيل لحقوق مواطنيها وأدميتهم على قيام إسرائيل بشن حرب على لبنان لمجرد خطف جنديين إسرائيليين وشن حرب على غزة لمجرد إطلاق صواريخ تهدد سكان المستعمرات الإسرائيلية وعندما اعتقلت مصر الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام استخدمت إسرائيل كل وسائل الضغط حتى استطاعت في النهاية الإفراج عنه وعند وصوله إلى مطار بن جورين استقبله رئيس وزراء إسرائيل بنفسه وقال عبارته الشهيرة أنه لم يشك لحظة في الإفراج عنه لأن إسرائيل دولة لا تنسى مواطنيها والتمسك بالعقيدة والدفاع عنها رغم فساد العقيدة التي استندت إليها إسرائيل عند قيامها من اليهود وهم شعب الله المختار وأن أرض إسرائيل التاريخية تمتد من النيل إلى الفرات إلا أن اليهود في النهاية يدافعون عن عقيدة حتى لو كانت تلك العقيدة محرفة ، وفي المقابل نجد أن العرب لا تحكمهم عقيدة أو مبدأ حكاما كانوا أو محكومين ورغم أن الله أعز أمتنا بالإسلام إلا إننا بعيدون كل البعد عن تعاليم الإسلام بل لا أبالغ إن قلت أن الإسلام يتعرض للهجوم والحرب من أبناءه أكبر مما يتعرض له من الخارج وصدق رسولنا الكريم عندما قال ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها قال الصحابة أمن قلتنا يا رسول الله؟ قال بل أنتم كثرة ولكن كثرة كفثاء السيل .. إنني أقول تلك الكلمات ليس حبا في دولة إسرائيل لأنه لا يوجد عربي يحب تلك الدولة ويتمنى إزالتها ولكننا محتاجون إلى وقفة مع النفس ومواجهة أخطائنا والاستفادة من دروس التاريخ حتى من أعدائنا وبدون ذلك فسوف تسير أمتنا من هزيمة إلى هزيمة لأننا بوضعنا الحالي أمة لا تستحق النصر أو التقدم .
الكاتب الصحفي د. مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن